لقد بدأت السلطة التقديرية في فقه القانون الإداري كضرورة لا غنى عنها، فمن المسلم به أن الإدارة يجب أن تعمل فكرها لتواجه المواقف الجديدة، دون أن تحيل في كل الأحوال لنصوص القانون، وإذا كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فإن السلطة المقيدة بالكامل هي كذلك نوع من الفساد بما تعنيه من شلل تام لحركة الحياة.
أما في الجزائر فقد حددت المادتين 165 و166 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري واللتين أحالت عليها المادة من 862 من نفس القانون الطرق الواجب إتباعها للتحقيق في الوثيقة المطعون عليها بالإنكار، إما بالمضاهاة مع مستندات أخرى أو بسماع الشهود، أو بواسطة خبير، في حين اكتفى المشرع المصري بطريقة المضاهاة أو سماع الشهود.
وانطلاقا من حرص قاضي الإلغاء على إعلاء مبدأ المشروعية فإنه تجاوز ملف الدعوى في إثبات الانحراف بالسلطة إلى غيره من الأدلة التي يمكن للمدعي تقديمها، وهي مجموعة من القرائن من شأنها التشكيك في نوايا الإدارة وسلامة غاياتها من وراء إصدار القرار، بحيث ينتقل عبء إثبات عكس هذه القرائن إلى عاتق الإدارة ذاتها، فإذا سكتت ولم تقدم الإجابة الشافية التي تقنع القاضي اعتبر ذلك تسليما منها بادعاءات المدعي.
والقرار بأنه لا وجه للتحقيق غير قابل للطعن فيه لوحده غير أن مجلس الدولة الفرنسي يراقب الحكم الصادر استنادا إلى هذا القرار ويمكن إلغاءه إذا لم يكن ثمة مبرر قانوني للإعفاء من التحقيق وقد تهدر مقتضيات الوجاهية كما هو الحال بالنسبة للتحقيقات التي يطلبها قاضي الإلغاء من الجهة الإدارية المختصة بإجراءات تحقيقات إدارية وليست قضائية بخصوص بعض المسائل الفنية، وتقديم تقرير بشأنها يودع الملف ويمكن للأطراف الاطلاع عليه ومناقشته.